بني جمرة - سعيد محمد
يتحدى أستاذ التاريخ الباحث محمد حميد السلمان في نفيه - عبر أبحاثه التاريخية - أن يثبت أحد أن البرتغاليين «احتلوا البحرين» يوماً ما، مسقطاً بذلك ما ترسخ في الكثير من المصادر عن احتلال برتغالي في صيف العام 1521، وأن ما قام به البرتغاليون هو غزو البلد عدة مرات، إلا أنهم لم يستعمروها.
واستند الباحث السلمان في محاضرته التي نظمتها جمعية الجمري الخيرية واستضافها مجلس الشيخ عبدالأمير الجمري بقرية بني جمرة مساء أمس الأول الاثنين (27 أبريل/ نيسان 2015) تحت عنوان: «حقيقة السيطرة البرتغالية على البحرين»... استند على وثائق وخرائط قديمة ونتاج عمل وبحث بلغ به إلى المراكز التاريخية والبحثية في البرتغال، مشدداً على أن تاريخ البحرين (لم يُكتب بعد بالطريقة الصحيحة)، وخصوصاً فيما يتعلق بالحديث تاريخياً عن الاحتلال والاستعمار البرتغالي وكله (كلام عاطفي لا يستند على وثائق تاريخية ما يلزم مجابهة التزييف).
وفي المحاضرة التي قدم لها السيدهادي الموسوي وأكد فيها إلى أن مضمونها يتناول مرحلة مهمة من تاريخ البحرين و تعاقب لمراحل الاستعمار وتغير أنماط الحكم، نوه السلمان إلى أن البحرين في القرن السادس عشر كانت قوية من ناحية موقعها الاستراتيجي، إلا أن هذه القوة ضعفت أمام السفن والأسلحة والمدافع، موضحاً تحت بند الأطماع الإقليمية والأوروبية، أن تلك الأطماع في القرنين الرابع عشر والخامس عشر الميلاديين تمثلت في أطماع مملكة هرمز وأطماعها في البحرين، بل كان هناك صراع بين الهرامزة والجبور قبل مجي البرتغاليين، فقد بدأت مقدمات الغزو البرتغالي في العام 1520، وفي صيف العام 1521 تعرضت البحرين للغزو البرتغالي في حملة انتونيو دي كوريا، وكانت البحرين خلال الفترة من 1518 حتى 1522 في عهد تورانشاه الرابع يحكمها حاكم عام الهند البرتغالي دييغو لوبوس دي سيكويرا وكان وزيره رجل من فارس يسمى (شرف الدين الفالي)، وحتى بالنسبة للصراع بين الهرامزة والجبور، سيطر الجبور على البحرين وكان مقر حكمهم في جبل قارة بالإحساء.
وطرح السلمان عدة تساؤلات وفرضيات قبل البدء في تقديم الأدلة، ولعل السؤال المهم الذي يُبنى على الكثير من الكتابات والمقولات المتوارثة: «هل خضعت جزر البحرين للاستعمار البرتغالي؟ هل كان احتلالًا، استعماراً أم غزواً؟ ومتى كان هذا الاستعمار أو الاحتلال؟ ثم هل كانت هناك مقاومة وهل هي هرمزية أم بحرانية ومن هم أبطال المقاومة؟ ومن الذي حرر البحرين من الاحتلال البرتغالي؟ وبعد أن استعرض خارطة لقلعة البحرين بتكويناتها الحالية، وجّه سؤاله للحضور: «ماذا تعرفون عن العصر البرتغالي غير القلعة؟ وهل هناك شيء آخر غير القلعة... لا كتب ولا أواني فخارية ولا مسكوكات... كل ما نعرفه عن العصر البرتغالي هو القلعة فقط.
وتناول بصورة عميقة ما هو معروف دون أدلة، وهو أكثر من ثمانين عاماً من السيطرة البرتغالية أو الاحتلال للبحرين كما يقول بعض المؤرخين والكتاب، وأمامنا هذه القلعة التي لا يوجد فيها أو حولها أو ما كتب عنها ما له إشارة بالعهد البرتغالي، وقد بحثت عن الآثار والعملات وكذلك الكتابات العربية القديمة، فليس من السهولة القول أن هذه القلعة بناها البرتغاليون.
وأورد في شأن نفي احتلال البرتغاليين للبحرين دليلًا عبارة عن رسالة محفوظة في أدراج متحف (آس غافيتاس) في البرتغال - أي أن عمرها يتجاوز 500 عام - وهي رسالة كتبها آركيفيو توميروا في العام 1529 - أي بعد حوالي 8 سنوات من الاحتلال البرتغالي المزعوم - يقول فيها بالحرف: «سبق لملك هرمز أن عين في البحرين حاكماً يسمى الرئيس بدر الدين، وهو أحد أقرباء شرف الدين الفالي القريب من ملك هرمز»، وهذه الرسالة تعني أن البحرين كانت تتبع مملكة هرمز في ذلك الوقت، وملك هرمز هو الذي يعين الحاكم.
ومن ضمن ما ورد في تلك الرسالة أن حاكم الهند (ناسوس وداكونها) رغب في إزاحة الرئيس بدر الدين لسوء تدبيره البلاد، لكن الباحث السلمان يرى أن السبب في ذلك هو امتناع بدرالدين عن (دفع الأموال)، فبعث الحاكم القائد البحري (بالشيور دي سوزا) ومعه أربع سفن لإزاحة بدر الدين وتعيين رئيساً مسلماً (لم يعلن اسمه) ليتسلم السلطة في البحرين، كما أرسل شقيقه (سيماو داكونها) على رأس 450 رجلًا.
ووفقاً لمصادر استند عليها من الكتب البرتغالية، تساءل السلمان عن موقع تركز الوجود البرتغالي ضمن حملة أنطونيو كوريا في العام 1521 حتى يتم بناءً على ذلك معرفة تفاصيل كثيرة عن (الاستعمار والاحتلال المزعوم)، فاستعرض عبر جهاز العرض ثلاث خرائط قديمة للبحرين، والخلاصة أن جل الحركة الاقتصادية والعسكرية والسياسية كانت تتركز في المنطقة الشمالية والشمالية الغربية، بما في ذلك موقع القلعة وما حولها وهناك كان تمركز البرتغاليين الذين لم يدخلوا بقية مناطق البحرين، ولم يكتبوا في وثائقهم أية معلومات عن سكان البحرين (لابخير ولا بشر)، ولهذا تشير خرائط (مونيك) أن وجودهم تركز في ساحل كرانة، كرباباد، وفي الخرائط إشارة إلى البلاد القديم وسوق الخميس، ويعلق السلمان بالقول :»نظريتي هنا هي أن بعض جنود البرتغاليين وصلوا إلى أطراف المنامة، البلاد القديم والخميس، وليس إلى المنامة العاصمة».
ويعيد التأكيد على محور مهم: «لقد كانت السيطرة الأساسية عند الهرامزة أما البرتغاليون فقد كانوا يغزون بين فترة وأخرى ويدخلون إلى البحرين لبضعة كيلومترات وأحياناً لبضعة أمتار لكنهم لم يتمكنوا من السيطرة على البحرين بالكامل».
وأفرد الباحث السلمان مساحة لا بأس بها للحديث عن الأهمية الجغرافية الاستراتيجية للبحرين والخليج ضمن ما أسماه (المثلث الذهبي) وهو يمثل فترة السيطرة البحرية فقاعدته البحرين وطرفاه هرمز والبصرة، وأن كل قوة عسكرية بحرية تنوي السيطرة على الخليج لابد أن تسيطر على هذا المثل الذهبي، والخليج كان مصدر التجارة العالمية وبالذات تجارة التوابل والبهارات وما يتبعها من واردات إفريقيا وآسيا، ومن جهة أخرى، موقع البحرين، قربها واتصالها بالساحل الشرقي للخليج يجعلها على صلة وتواصل مع هذا الساحل وكذلك الساحل الغربي للخليج يجعلها ذات أهمية عظيمة لأنها رأس الجسر لشبه الجزيرة العربية، ومملكة هرمز منذ العام 1318 بدأت تصبح مملكة ذات قوة في الخليج، وبدأت تستوحش وتستولي على قيش والبحرين من قلعة هرمز، وهذه المملكة، أي هرمز، لا تساوي شيء في المنظور الاقتصادي فلا ضرع ولا زرع فيها لكن أهميتها الاقتصادية كونها (مضيق)، وبهذا فهم جامعو ضرائب، ولهذا كان هدف البرتغاليين من غزو الخليج هو التسيد على التجارة الدولية المرتبطة مع المحيط الهندي.
وشدد في ختام محاضرته على أهمية البحث والتوثيق، والعمل على تصحيح مواقع عديدة من تاريخ البحرين وإزالة التزييف وصفحات العواطف التي لا تستند على أساس ولا تقوم على أدلة، مؤكداً أن ذلك الهدف من أهم الأهداف التي سخر لها الجهد البحثي والعلمي.
رابط الخبر في الصحيفة: http://www.alwasatnews.com/4617/news/read/986265/1.html